هدوء الكون
المديرة العامة
تاريخ التسجيل : 30/09/2010 تاريخ الميلاد : 31/12/1981 العمر : 42 عدد المساهمات : 318 الجنس :
| موضوع: من قوله تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْر) الإثنين مارس 14, 2011 6:10 pm | |
| بسم الله الرحمان الرحيم اللهم صلي على اشرف المرسلينسيدنا محم عليه الصلاة والسلام من قوله تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْر) <BLOCKQUOTE class="postcontent restore ">ومن قوله تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
فذلك من لمة الشيطان ، فالشيطان يعد الإنسان بهاتف الشر على جهة المضارعة والتوكيد باسمية الجملة وتكرار الفاعل ، على ما اطرد في الجملة الاسمية التي خبرها : فعل ، فاعله قد استتر فيه ، فيعدكم الفقر ، ليأمركم ، على جهة الوسواس ، بالبخل ، فــ : "أل" في "الفحشاء" ، عهدية ، تشير إلى فحش بعينه هو : البخل ، لقرينة السياق ، فالآية قد وردت في سياق يبين جملة من أحكام الإنفاق ، ووسواس الشيطان في هذا الباب إنما يتوجه بداهة إلى تزيين معصية الإمساك عن الإنفاق في سبيل الله ، فصار لفظ : "الفحشاء" في هذا السياق من قبيل المجمل التي يفتقر إلى البيان مع وضوح دلالته المعجمية ، فمادة : "فحش" في لغة العرب تدل على القبيحُ من القول والفعل ، فتعم كل صور القبح القولي والفعلي ، ودلالة العام على أفراده : ظنية تقبل التخصيص ، فخصص العموم في هذا الموضع حتى لم يبق منه إلا فرد واحد ، فصارت دلالته مجازية ، عند من يقول بالمجاز ، فالعهد يشير إلى فرد بعينه من أفراد عموم يستغرق بأصل وضعه أفرادا كثيرة ، فآلت الصورة إلى صورة : العام الذي أريد به خاص بعينه ، وذلك عند من يثبت المجاز : من قبيل المجاز المرسل ، فعلاقته العمومية أو الكلية ، إذ أطلق العام أو الكل ، وأراد الخاص أو البعض ، ومن ينكر المجاز فإنه على أصله المطرد في هذا الباب يرد الأمر إلى القرينة السياقية ، فالدلالة الحملية للألفاظ بالنظر إلى السياق الذي وردت فيه تغاير الدلالة المعجمية ، فقد تكون الدلالة الحملية أوسع من الدلالة المعجمية ، كلفظ : "الإيمان" فإن دلالته المعجمية تدل على التصديق وقدر زائد هو الإقرار ، بينما دلالته الحملية في نصوص الشريعة تدل على اعتقاد القلب الباطن ، وقول اللسان الناطق ، وعمل الجوارح الظاهر ، وقد تكون أضيق ، كما في هذه الصورة التي ضاقت فيها دلالة العام حتى اقتصرت على فرد بعينه هو : البخل ، لقرينة ورود ذلك في سياق يبين جملة من أحكام النفقة في سبيل الله ، فوسواس الشيطان في هذا الباب ، ينصرف بداهة ، كما تقدم إلى الأمر بالإمساك خشية الفقر ، فيخوف المنفق من عاقبة إنفاقه ! . وأمر الشيطان : أمر وسوسة ، كما تقدم ، فليس شرعيا ، فالكافر لا يأمر بالطاعة ، والشيطان رأس الكفر فلا يأمر بالخير إلا ليمكر بالعبد بصرفه عن خير أعظم ، فذلك آخر حيله مع العبد إن صمد للعدو الباطن والخارج ، فيجيش لقتاله جيوش الشبهات والشهوات وجيوش العدو الظاهر من شياطين الإنس : ترغيبا وترهيبا ليعدل عن طريق الهداية ، أو اضطرارا كما في حديث تعليم الشيطان آيةَ الكرسي لأبي هريرة رضي الله عنه .
واللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا : فذلك من المقابلة لوعد الشيطان ، فجاء على نفس النظم ، إذ صدر بالفاعل المعنوي ، وجاء المسند : فعلا مضارعا مئنة من التجدد والاستمرار ، فهو من وصف فعل الرب ، جل وعلا ، المتعلق بمشيئته النافذة ، فذلك جار على ما تقدم في مواضع سابقة من أولية الرب ، جل وعلا ، ذاتا وصفات ، فاتصف جل وعلا ، بنوع الصفة الفعلية ، وظهرت آثارها متجددة بتجدد مشيئة الرب ، جل وعلا ، الاتصاف بها إذا وجد سببها ، فالوعد يتجدد بتجدد سببه من الطاعة ، والوعيد يتجدد بتجدد سببه من المعصية ، فيعد ، جل وعلا ، وعدا متجددا مستمرا ، عباده بالمغفرة والفضل . ونكرت المغفرة والفضل مئنة من التعظيم ، فضلا عن صدورهما من الرب ، جل وعلا ، فــ : "من" : تفيد ابتداء الغاية ، فذلك آكد في بيان عظم المنة الربانية بالمغفرة والفضل ، فعظم المنحة من عظم المانح ، وفي السياق إيجاز بحذف المتأخر لدلالة المتقدم عليه ، فتقدير الكلام : والله يعدكم مغفرة منه وفضلا منه ، فاكتفي بالقيد الأول على ما اطرد في لسان العرب من الاكتفاء بالقيد الواحد لمقيدات متتالية في سياق واحد .
والوعد : مظنة الاشتراك اللفظي في هذا الموضع ، فدلالته الظاهرة تشير إلى معنى الخير ، كما أن دلالة الوعيد تشير إلى معنى الشر ، فلما دل على الشر في وعد الشيطان ، والخير في وعد الرحمن ، جل وعلا ، صار اللفظ مستعملا في الضدين في سياق واحد ، فهو من الأضداد ، على هذا الوجه ، والأضداد من المشتركات اللفظية المجملة ، بل هي من أشدها إجمالا ، فلا يفصل النزاع في دلالتها إلا القرينة السياقية التي تعين مراد المتكلم ، فإسناده إلى الشيطان قرينة من إرادة الشر ، كما أن إسناده إلى الرحمن ، عز وجل ، قرينة من إرادة الخير ، فزال الإجمال بقرينة السياق المبينة ، فحصل البيان بالنظر في المسند إليه ، فلما أسند إلى معدن الشر فكل شر منه على جهة التسبب لا الخلق ، فالشر مخلوق للرب ، جل وعلا ، بإرادته الكونية وإن كان على خلاف مراده الشرعي الذي يحبه ويرضاه ، وإنما خلقه لما يترتب عليه من الخير الآجل الذي لا يحصل إلا بوجوده ، فتلك ، كما تقدم في مواضع سابقة ، من دلائل حكمة الرب ، جل وعلا ، فلما أسند إلى معدن الشر على هذا الوجه ، كان ذلك دليلا لمن قال بالمجاز إذ استعار فعل الوعد لمعنى الشر ، وهو كما تقدم بأصل وضعه أو دلالته المعجمية يدل على معنى الخير ، ثم استعمل في الشطر الثاني من الآية على جهة الحقيقة ، فذلك شاهد لمن قال بجواز الجمع بين الحقيقة والمجاز في سياق واحد ، فالقرينة قد عينت المراد من كليهما ، فدلت على إرادة المجاز في وعد الشر ، فهو محض وسواس وتزيين استعير له معنى الوعد باعتبار ما يتوهمه العاصي من لذة متوهمة في المعصية التي يزينها الشطان له ، ودلت على إرادة الحقيقة في وعد الرحمن بالمغفرة والفضل ، وأما من ينكر المجاز فإنه ينظر إلى الدلالة الحملية للسياق ، فهي قرينة لفظية عينت المراد من الوعد في كلا الشطرين ، بالنظر إلى المسند إليه ، كما تقدم ، فما يتبادر إلى الذهن من اللفظ إما أن يكون بالنظر إليه منفردا ، فتلك دلالته المعجمية المطلقة ، وهي لا تعين المراد منه تحديدا وإن دلت بمقتضى العرف اللغوي على معنى راجح ، كلفظ الوعد فإنه عند إطلاقه يتبادر إلى الذهن منه معنى الخير ، ولكن ذلك الظن الراجح لا يصير جزما إلا بالنظر إلى السياق الذي يعين المعنى المراد ، فذلك النظر الثاني وهو : النظر إلى الدلالة التركيبية للسياق الذي يرد فيه اللفظ ، فيصير نصا في معنى بعينه بعد أن كان ظاهرا محتملا ، فقرينة السياق اللفظية قد رفعت الاحتمال ودلت على المعنى المراد جزما ، وقد يقال من وجه آخر بأن في نسبة الوعد إلى الشيطان نوع تهكم ، فتكون الاستعارة تهكمية من قبيل قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ، فاستعيرت البشرى لما يسوء صاحبها ، فكذلك الحال في وعد الشيطان ، فالوعد مظنة الخير ، ونسبته إلى الشيطان مئنة من الشر بل أعظم شر ، فذلك وجه التهكم إذ يدل اللفظ على ضد المعنى المتبادر إلى الذهن منه .
وعدة الشيطان قد اختلفت مواردها ، فالسياق ، كما تقدم ، قيد فارق بين المعاني ، فتعلقت هنا بالفقر ليحمل الإنسان على الإمساك والبخل ، وتعلقت في نحو قوله تعالى : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) بتغيير الخلق ، وتعلقت بالوعد العام في نحو قوله تعالى : وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) ، فأطلق وعده عن كل قيد فهو الداعية إلى كل شر بتزيينه للكافر والعاصي ، فيستر قبح دعواه بمعسول المعاني ومكذوب المباني . فيكون ذلك جاريا على ما اطرد من جمع أدلة الباب لتعيين مراد المتكلم ، فالإجمال في موضع كما في آية إبراهيم قد ورد بيانه في آيات أخر ، كما في آية النساء وآية البقرة ، فتلك صور من وعده الكاذب ، فذكرها ليس تخصيصا لعموم وعده ، على ما تقدم في أكثر من موضع من امتناع تخصيص العام بذكر بعض أفراده في معرض التمثيل ، بل يعد كل كافر وعاص بوعد يلائمه ، فلكل وسواسه الذي يناسبه ، فيعد أصحاب الشبهات بفاسد العلوم ، ويعد أصحاب الشهوات بفاسد الأعمال ، ولا يرد كيده إلا بالاستعانة بخالقه ، عز وجل ، وبذل السبب الدافع لوساوسه العلمية بنافع العلوم ، ووساوسه العملية بصالح الأعمال ، ولا يتلقى ذلك إلا من مشكاة النبوات فهي التي دلت على جهة الجزم والتفصيل على كل علم نافع وعمل صالح . فلا صلاح لدين أو دنيا ، ولا نجاة في أولى أو آخرة إلا باقتفاء آثارها تصديقا وامتثالا .
ثم جاء التذييل بــ : وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ، فالسعة تلائم عظم المغفرة والفضل ، فللرب ، جل وعلا ، غاية الكمال من صفة السعة ، فله سعة الذات وسعة الصفات ، فذاته أعظم وأكبر وأكمل ذات ، قد قامت بها صفات الجمال والجلال ، فصفاته ، هي الأخرى ، قد بلغت غاية العظم والسعة ، فرحمته وسعت كل شيء ، فيكون إجمال وجوه السعة في هذا السياق لتعذر إحصائها فــ : "لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" ، قد ورد بيانه في نحو قوله تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) فتلك سعة صفة الرحمة ، وهي من صفات الجمال ، فرحمته العامة : رحمة الرحمن قد عمت كل الخلائق ، مؤمنهم وكافرهم ، بل رأس الكفر إبليس قد ناله منها حظ ، فأنظر إلى يوم الوقت المعلوم ، إذ كان له سابق عمل صالح أحبطه بكفره واستكباره ، فاقتضى عدل الرب ، جل وعلا ، ورحمته ، أن يجازى بذلك وإن أحبطه بكفره فالكفر يحبط كل عمل صالح : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، ومع ذلك نال إبليس من الرحمة العامة ما بقي به إلى يوم الوقت المعلوم ، فطرد من رحمة الرحيم فهي خاصة بالمؤمنين وطرد معه كل كافر مارق من ذريته أو من ذرية آدم عليه السلام فذلك وجه تخصيص بالشرع لعموم الرحمة في هذه الآية ، فعموم "شيء" محفوظ بالنظر إلى الرحمة العامة : الرحمة الكونية ، رحمة الرحمن الذي نالت رحماته العامة كل الكائنات ، كما تقدم ، فنعمه الكونيات السابغات قد طالت كل مخلوق ، فبها يستمتع المؤمن والكافر ، بل للكافر منها نصيب أعظم بمقتضى سنة الإملاء ، وسنة توفية الأجر في دار الابتلاء ، فلا حظ لهم من الأجر في دار الجزاء إذ قد استوفوا أجورهم في الدار الأولى فتعجلوا نصيبهم لفساد تصورهم ، ففسدت إراداتهم تبعا لذلك فظهر أثر ذلك الفساد لزوما على جوارحهم بإيثار اللذة العاجلة وإن أعقبها ألم عظيم وفساد كبير في الدنيا والدين ، فلا هم حصلوا لذة عاجلة خالصة من الشوائب بل قد أعقبها ألم وفساد نرى منه صور القلق والاضطراب التي تعاني منها المجتمعات المترفة ، فذلك ألم باطن ينسي صاحبه كل لذة ظاهرة ، فضلا عن الألم الآجل في دار الجزاء فهو الذي ينسي على جهة الحقيقة كل لذة عرضت في دار الابتلاء ، فكأنها لم تكن ، وعموم الرحمة مخصوص بالنظر إلى الرحمة الشرعية : رحمة الرحيم فتلك لا تنال إلا عباده المؤمنين ، فيكون ذلك ، أيضا ، من العام الذي أريد به الخصوص ، لقرينة النصوص الدالة على اقتصار الرحمة الخاصة على المؤمنين ، فمن ذلك قوله تعالى : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ، وفي المقابل : عقابه شديد وغضبه عظيم ، وعذابه أليم فتلك من سعة صفات الجلال فآثارها قد ظهرت في انتصاره لرسله وأوليائه من أعدائه فهو الجبار المتكبر ، العزيز ذو الانتقام ، فله سعة الذات والصفات على هذا الوجه ، وذلك محض تصور للمعاني دون إدراك للحقائق ، فلا يدرك العقل مهما بلغت سعة مداركه طرفا من حقيقة كمال الرب ، جل وعلا ، ذاتا وصفات . فذلك من التذييل المؤكد لمعنى ما تقدمه ، والعلم مشعر بكمال إحاطة الرب ، جل وعلا ، ليحترز المنفقون بتحرير نواياهم ، فلا يجدي صلاح صورة العمل الظاهر إن كان الدافع الباطن فاسدا .
والله أعلى وأعلم منقول .
</BLOCKQUOTE>
| |
|
grod
المدير العام
تاريخ التسجيل : 10/10/2010 تاريخ الميلاد : 19/08/1977 العمر : 46 عدد المساهمات : 225 الجنس :
| موضوع: رد: من قوله تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْر) الأربعاء مارس 16, 2011 1:50 pm | |
| (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
جزاك الله الجنة على موضوعك هدا بارك الله فيك
| |
|
خايف
عضو جديد
تاريخ التسجيل : 15/03/2011 تاريخ الميلاد : 16/04/1986 العمر : 38 عدد المساهمات : 4 الجنس :
| موضوع: رد: من قوله تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْر) الأربعاء مارس 23, 2011 3:47 pm | |
| نعله الله الى يوم الدين
بارك الله فيك
| |
|